Thursday, August 15, 2013

مواطن الذكريات المؤلمة

هذه المرة طال بي الغرق في مرحلة الإنكار لما يحدث.. أنام وأتخيل أنه عند استيقاظي سيكون هذا الكابوس قد انقشع عن عيني وسيعود إلينا من ارتقوا إلى السموات وسيشفى كل مريض.. الأمر بدأ يفوق قدرتي على التحمل صارت مقاومتي لزوجي ومحاولاتي لإثنائه عن النزول غدا تتخذ منحنى يقترب من الهيسترية خاصة.. لم لا أكون أنانية وأحتمي بزوجي وليحترق كل من على الأرض وليحكم من يحكم ويسقط من يسقط.. وليسقط العدل والحرية.. لمن نصلح البلد وونحن نرى الموت يختار من بيننا أطهر من فيها ويٌبقي فيها الأنانيين الذين لا يهمهم سوى حياتهم.. وقساة القلوب من القتلة  والشامتين.. والضعفاء الذي وهنت قلوبهم وعزيمتهم مثلي.. وثلة قليلة من الأطهار حياتهم أثمن من أن يضحوا بها من أجل هؤلاء
.
أتجنب كل محاولات تذكر يوم أمس وماحدث فيه.. أقول لنفسي أنه يقينا ليس حقيقيا.. أن كل هؤلاء الأصدقاء لم يسقطوا شهداء.. لا يمكن أن يكون ما حدث صنيع بشر.. كل ما حدث ويحدث ينهش بداخلي كل معنى طيب أو عذب سكن يوما بداخلي
صور حريق مسجد رابعة العدوية تحرق معها ذكريات أعوام كاملة وجل فترة نشاطي بين محاضرات زدني التي لا تتوقف في قاعات رابعة.. كل ما تعلمته على مدار أعوام كاملة كل ما شاركته يوما معهم.. كل معنى إيجابي مصلح بناء تعلمته وعلمته.. كل صديقة أتخذتها هناك رأيت في وجهها ضياء..قاعاته التي شهدت  مناسبات فرحة لصديقات عقدن فيه قرانهن.. كيف لي أن أدخله دون أنت تعتصر قلبي رائحة الشهداء .. كيف لي أن أمر أمامه وآثار الحريق على جنباته تخنقني
كيف لي أن أبقى بداخله وأن أرى آثار الرصاصات القاتلة تسفك كل معنى طيب وتنتنهك حرماته
من يعيد لي دفء المشربيات الخشبية بداخل مصلى السيدات وصدى حلقات القرآن في أرجائه
حسبي الله حسبي الله
.
 ومسجد الشربيني الذي تخرج منه اليوم الجثامين ونصلي فيه غدا على معلمتي الأولى حبيبتي أسماء صقر.. أسماء وأولى خطوات الالتزام.. أسماء التي كنا نلتف حولها كل يوم جمعة بعد الصلاة لتعطينا دروس في الحياء وحفظ القلب والرقائق والإيمان.. أسماء أم لطفلين وكانت حملى بالطفل  الثالث.. أسماء الملائكية التي هي أنقى بكثير من أن تعيش بين كائنات بلا إنسانية شمتوا في ارتقائها.. مكانها لم يكن يوما بيننا كانت أنقى وأطهر وأكثر إيمانا 
أذكر أني كنت أذهب مشيا لمسجد الشربيني من بيتنا وحدي وانا في الثانوية العامة لا يهمني إن رافقتني أحدى صديقاتي أو لا.. أذهب إليها لأستمع لدرسها وأطبقه.. كانت أول من علمتني أن احفظ قلبي جيدا جدا وأحكم عليه وأن بمثل تفريطي في حيائي سيكون تفريط من سيكون زوجا لي.. يشهد الله أني أحبك في الله حبيبتي أسماء واسأل الله أن يحشرني معك في مرتبة الشهداء.. التي لا أستحقها
.
ومسجد الإيمان الذي امتلأ على آخره اليوم بالجثامين.. مسجد الإيمان الذي كنت أتمدد على أرضيته أتأمل جمال الزخارف في سقفه وذلك الدفء الغريب بين جنباته.. مسجد الإيمان ودروس الدار الآخرة.. مسجد الإيمان وبائع المسك أمامه الذي أوقن أنه كان يبكي اليوم دما وهو يرى الجثث بداخله..مسجد كنت أحبه لأن أسمي يشبه اسمه وأظن بداخلي بطفولية أنه مسجدي.. هممت اليوم بالذهاب إليه لصلاة الجنازة لكنني كنت أوهن من أن أذهب بعدما استعددت وهممت بالخروج خانتني عيناي وقوتي.. عندما وجدت صور الجثث بداخله تراجعت.. تراجعت لأني علمت اني سأنهار أمامه ولن أستطيع دخوله
.
يارب قد صار كل موطن ذكريات لي يحمل غما وهما لا يحتملهما قلبي
يارب كل من حولي قد صار قلبهم مكلوما مثلي على أحبة فقدوهم
حسبي الله في من قتل أصدقائي وشوه بلادي وأرضي وذكرياتي.. لم يتركوا لي ذكرى عذبة تعينني على العيش في تلك الحياة
يا الله قد بلغ بي الضعف والحزن مداه
صرت أنظر لزوجي وأبنتي وتجتاحني أفكار الموت فأنهار أحاول ابعادها عن عقلي
كيف لنا أن نعيش بقلب ملكوم وعقل جن من الدماء
لما نحيا ولا شيء في هذه الحياة يستحق الحياة
يارب يارب هؤلاء الفجرة قد سلبوا مني ماضيي وحاضري فارزقني نورا يعينني على التمسك بأمل في مستقبل يرضيك
يا الله إنك إن قلت كن يكون
يا الله قد انتهكت حرماتك وسفكت دماء المسلمين وروعت قلوب عبادك
ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا 
....
ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون".