تعرفونه
يوم نموت سيمحو النسيم الرقيق
اثار اقدامنا علي الرمال
بعدما يفني النسيم تري من يخبر الابدية
اننا مشينا هاهنا
مرة في فجر الزمان
فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحد وهو السرة، فلما خرج من بطن الام، وانقطعت تلك الطريق فتح لك طريقين اثنين، واجرى له فيهما رزقاً اطيب وألذ من الأول، لبناً خالصاً سائغاً، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح لك طرقاً أربعة أكمل منها: طعامان وشرابان، فالطعامان من الحيوان والنبات والشرابان من المياه والألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ. فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة لكنه سبحانه فتح له - إن كان سعيداً- طرقاً ثمانية، وهي ابواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء.
فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وانفع له، وليس ذلك لغير المؤمن، فإنه يمنعه الحظ الأدنى الخسيس ولا يرضى له به، ليعطيه الحظ الأعلى النفيس.
والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئاً وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان علياً، ولو انصف العبد ربه - وانى له بذلك- لعلم ان فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك.
فما منعه إلا ليعطيه.. ولا ابتلاه إلا ليعافيه.. ولا امتحنه إلا ليصافيه.. ولا أماته إلا ليحييه.. ولا أخرجه إلى هذه الدار إلا ليتأهب منها للقدوم عليه، وليسلك الطريق الموصله إليه
(من "الفوائد" - ابن القيم)
-.
كلمات حفرت أثراً بداخلي.. وتمر بي الايام لأعود فأجدها -عجباً- صادقة.. خلافاً لأغلب الكلمات الاخرى التي قد يسطرها بشر