Wednesday, April 28, 2010

ومضة ...


تتراءي أحيانا له الحياة كومضات.. ومضة ضوء تبزغ دون مقدمات في العقل فتنير مساحات ما ولقطات طالتها آفة النسيان أو الهجران.. ومضة تتسلل كروح خفية تعيد بث دماء جديدة في عروقه.. بعضها يحمل لحظات توهج لكل كيانه.. ومضة تعيد إلى ركود أطرافه دماء حركة وسريان فتجعل من النفس نبع تنشق منه حيوات مختلفة وتنطبع على جنباته.. وتحمل في مكنونها.. نور يكمن في ومضة
يا سالكين إليه الدرب لا تقفوا
.
يسير في الطريق يحمل عقله بركان من الأفكار التي تحتاج إلى ترتيب.. يذهب ببصره يميناً فيلمح وجوهاً نضرة يعلوها ضياء قد هرعت لتلبى نداء لصوت حاني من عجب يسمعه من بعيد يدعوه لسجود في ظل رحيب بارد بين يدي الملك.. وجوهاً تركت عنها ترددها وحيرتها واستسلمت في حب للنداء وتركت كل شيء في الحياة خلفها.. وتتبعت النور

طاب الوصول لمحروم تمناه
.
يراها تعبر الطريق تخفض رأسها على استحياء يعلوها رداء عفة يحفظ عقلها قبل جسدها.. يكاد يرى نقاء فطرتها ينير موضع قدمها أينما ذهبت.. يمر بجوارها فيستتشعر قلباً ليناً يتفطر من الحنين ولكن يأبى إلا الصفاء والنور بداخله.. تنير وجهها سكينة كأنها ترى الجنة أمامها ماثلة ويحملها ملائكة.. بل يكاد يرى غيرة الحور العين من قدرها.. في كل لمحة لها ضياء لنور تتبعته..
رحماك ..لا تحرم عبادك من رضاك وأمنحهم ما أنت ترضاه
.
يخطو إلى موضع سجوده.. ها هنا أعتاد أن يقف أمام النافذة يناجي ربه ويدعوه أن يمنحه رضاه وستره.. كان دوماً يسأله اياهما فقط.. يتردد صدى آيات يحفظها جيداً من طوال ترديده لهما في صلاة المغرب ويتذكر تلك اللحظات.. فيها فقط يتبدل ويتغير ويستسلم لنور تتبعه أن يغشاه من كل مكان
يا رب .. هيأ لنا من أمرنا رشدا
.
يدخل غرفته ويغلق بابها ويفتح شغاف قلبه يبحث عن النور.. يقع ببصره الدامع على سبحة أضاءت له .. أمسك بها بأنامل مرتعشة مترددة في الرجوع كم يبدو شاق فيلمح آثار دمع مر على تلك الحبات فكانت له مأوى ونجاة.. ها هو مصحفه بغلافه المزين لايزال يحتفظ ببقايا مسك كان يعطره به كل فجر..
يهدي إلى الحق من ضلوا .. ومن تابوا
.
إنه النور حين يبزغ بهالته الرقراقة فيجتاح كل ما حوله.. فلا تملك القلوب سوى أن تتجه إليه بكل قوتها وأملها لتشرق الشمس على جدرها التي اشتاقت للضياء
إنه النور حينما يشرق في قلب يلقى كل من يمر به شحنة من سواد ويأس محطم.. فتجده وهو يستمتع بنشر زخاته بين قلوب الحيارى حولهم فيتبعونه على هداه ويصبح لهم مثوى ونجاة
إنه النور حينما تشق خيوط الصبح ليل قلب ساهر يتأمل في الحياة.. يصبر على عقل وجسد يجره خلف شهوات تفتك به.. فتنعكس أشعة الصباح على آيات في صفحة في مصحف يكمن بجوار قلبه
إنه النور حينما تقودنا عقولنا لفهم رسالة ربانية جائتنا من السماء.. لترتفع أقدامنا عن الأرض وتنزع عنها ثوبها الطيني المثقل
إنه النور حين ترى الأفق حولك واسعاً برغم ضيق صدور من حولك.. وترى نفسك مقصراً على ثناء الآخرين حولك.. وترى المقصد في الطريق ماثلاُ وقد ملأ جانبي الطريق الحيارى

مسبح بك.. مملوء بحبك.. مشغول بقربك.. مشغوف بنجواك
ومتخداّ منك طريقاً من عطاياك
.
النور يبحث عنك بقدر بحثك أنت عنه.. فإذا ساد الظلام فاعلم أنك قد هجرت النور ونأيت بعيداً

إذا فقدت النور تفقد خطاه في كل شيء حولك وتتبع أثره أينما سار
لا تحجب النور عن عقلك.. واترك له مساحة فأنه يجاهد لكي يشق ويبزغ
لا تحجب النور عن قلبك.. مهد له الطريق وأزل منه أطلال وحطام كانت.. فإنه يشتاق ان ينير جدرانه
وعش متتبعاً الومضات
....
أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
...
اشتم رائحة رمضان في الأجواء
وفي نداءات الصلاة
اللهم بلغنا رمضان
الله بلغنا رمضان

3 comments:

Fahd said...

لن اقول كم هي رائعه او كم هي صادقة
بل ساقول انها اشبة بترياق

هي خلاصة مصل التجربة الصعبة

وانت بكل ايمان تهدي منها لنا كي نعود مرة اخري

نفتقد النور
الظلام يطبق علي القلوب

نحتاج دليلا نسير عليه
او خريطة تصف لنا هذا الضباب الشيطاني

بارك الله فيك وفي قلمك

Unknown said...

أرقى بكثير من أن أعلق عليها
جزاكم الله الجنة

واصطنعتك لنفسي said...

@ Fahd
أعلم إني لا أستحق هذا التعليق الرائع.. جزاك الله خيراً يا بصمة الوجدان

بارك الله فيك وفي قلمك الرائع
:))

*****

@ أحد عبد العدل

مجرد تشريف حضرتك يا دكتور للمدونة
ومتابعة ما أكتب هو أبلغ تعليق

جزانا وإياكم يارب