Saturday, May 15, 2010

مــذاق الارض


أتمدد على الأرض .. أشعر بفقرات ظهري تأن بتأوه متقطع تشكوني طول جلوسي بوضع مؤلم
أتذكر كلمات أمي عندما تطل برأسها من باب غرفتي تدعوني لتغيير وضعية جلوسي من وقت لآخر حتى لا أتعب ومشاركتها بعض الطعام أو الفاكهة وأتعجب من اصرارها على تكرار دعوتها لي يوميا برغم ردي المعتاد بالابتسام لها وجوابها بأني كنت بالفعل على وشك القيام وكالعادة لا اصدق في قولي ويسرقني مزيد من الوقت
.
أفرد ذراعي بامتدادهما بجواري.. أنا أحب الأرض كل أرض وبقدر حبي للأرض أعشق تأمل السماء
كل من يعرفني لابد وأن رآني يوماً أرفع رأسي عالياً منهمكة في تأمل طويل للسماء ابثها حنيناً خفي.. حنين بلا حد كثيراً ما كان يؤلمني.. لا أعرف له أسباب وكأنه جزء من تركيب روحي
.
أحب الارض بكل أشكالها.. وأشعر بأن التحامي بها يكسبني توهج ويعيد لي روحي التي تتسرب من بين أصابعي في الحياة.. هو أشبه بمداوة ومعالجة لكل تلك الخدوش التي تصيب جدار الروح
أقاوم بكل شدة أن أنسلخ من اراضي كل الأماكن المحببة لقلبي.. أذكر أني لم أكن لأترك تجربة التحامي بكل أرض أحمل لها حنيناً مرة على الأقل ولا ينزعني منها سوى الحاح من حولي وتلك النظرات المتعجبة من رغبتي بالاستلقاء على أرض
.
ربما أستمد من التحامي بالأرض بعض من صلابتها وثباتها الذي كثيراً ما أحتاجه للمضي في الطريق.. صلابة أحتاجها للوصول لحلم وهدف لن أسمح للوهن أن يسلبه مني
أفرد قدماي فاحس ببقايا الوجع يتسلل خارج خلاياي ويبدأ جسدي في السكون والاسترخاء واسمع صوت دقات قلبي وأنفاسي تنتظم
أتراني أحن لأصل تكويني..الطين.. أترى خلاياي تشتاق لبداية خلقها.. أم تشتاق لفطرة نقية ولدت بها أتركها تتلوث كل يوم بالحياة
.
اصبح أكثر ما يعيد لي الرونق هو مذاق تلك الأرض الطينية الخضراء عندما أتمدد عليها فتملأ رائحة الخضرة الندية والطين الندى صدري ويعلق بيدي بقايا من طينها.. في تلك اللحظة فقط لا أخشى أن يصيبني أي حشرات وتذهب عني تلك الفوبيا العجيبة التي تجعلني أصاب الهلع من لمس ذبابة ليدي واقتراب أي حشرة مني.. كم أنا مجنونة حقاً كما يشاكسني "هو" دوماً
.
أغمض عيناي واستعيد تلك اللذة التي يمنحنيها مذاق الأرض.. يبعث في نشوة رؤية السماء باتساعها والأفق.. وسكينة الالتحام مع الأرض الندية
يبقى إستلاقي على أرض المطبخ إحدى اسراري التي لا أعرف لها مبرراً.. لا تعلم أمي أنني أعشق صلاة ركعتي الضحى في المطبخ.. ربما يستوهيني السجود في مكان جديدة كل مرة.. غير متوقع
ويظل حلم حياتي أن أبيت ليلة كاملة على أرض مسجد.. ليلة كاملة أكون فيها هناك وحدي.. لتمنحني زاداً يكفيني كل الحياة.. في مسجد ذو نوافذ خشبية مفتوحة على الأفق.. مسجد قديم غير مزخرف بألوان ولا يتغير سجاده كل عام.. ولا تمتلأ كل زواياه كولديرات المياه الحديثة
.
أتذكر أني برغم كل ذكريات الالتحام بالارض الطويلة هذه إلا أنني لم أجرب الاستلقاء على أرض رملية من قبل.. ربما لشعوري بقسوتها وتفرقها.. أو إنني لم أجد فرصة للاختلاء بنفسي على شاطيء رملي بعيداً عن أعين الناس.. أو ربما لأنني كنت أتضايق وانا طفلة من دخول الرمل في شعري عندما نكون على الشاطيء.. مزعج هو الرمل أحيانا
مزعج لأني تعودت أن أمشي عليه طويلاً.. وحيدة
.
اسمع خطوات أمي الحنونة تقترب.. فاضطر أن أهب واقفة بسرعة وأعبث بالملعقة في كوب القهوة الذي دخلت في الأصل لأعده حتى لا تراني ممدة ويصيبها فزع ككل مرة تراني ممدة على الارض لأنها تخالني قد مت أو اصابني سوء ما.. ولأتجنب أن تعاتبني عيناها كل مرة من شدة خوفها وتسالني: نايمة ليه على الارض كده يا أنّه؟؟
___________________
لو أني أملك لو بيدي
أن أقتلِعَ جذورَ البُغضْ
أن أُقصي قابيلَ الثعلبْ
أن أغسل بالماء الصافي
إخْوة يوسفْ
وأطهّرُ أعماق الإخوة
من دنسِ الشرْ
***
لو بيدي
أن أمسح عن هذه الأرض
بصمات الفقرْ
وأحرّرها من أسْر القهرْ
أن أجتثّ شروش الظلمْ
وأجفّف من هذه الارض
أنهار الدمْ
***
لو أني أملك لو بيدي
أن أرفع للإنسان المتعبْ
في درب الحيرة والأحزان ْ
قنديل رخاء واطمئنانْ
أن أمنحه العيش الآمِنْ
فيصير الحب هو الأرض
ويصير الحب هو الدرب
(الابيات لفدوى طوقان)

5 comments:

Enas said...

allah 3aliky ya Eman .. aslobek raaaaaaaaaa23

دندنة قيثارة الوجد said...

وأنا أحس أن روحي في قلب نواة الأرض

أسعدني كثيرا ما كتبتيه .. بارك الله فيك

وحـــــــــــى القلم said...

كعهدي بك دائما تتحفني كتاباتك ويتحفني أسلوبك ...
"ويظل حلم حياتي أن أبيت ليلة كاملة على أرض مسجد.. ليلة كاملة أكون فيها هناك وحدي.. لتمنحني زاداً يكفيني كل الحياة.. في مسجد ذو نوافذ خشبية مفتوحة على الأفق.. مسجد قديم غير مزخرف بألوان"
حلم جميل اوي اتمناه انا أيضا

يا مراكبي said...

مذاق الأرض

تعبير جديد جدا ومبتكر

هو صحيح الأرض مالهاش مذاق فعلي نلمسه بلساننا

لكنه شعور وايحاء واحاسيس معينة

أحسنت

---

البوست اللي فات كان مميز جدا هو كمان

ليست كل النسائ إناثا .. فالأنثى هي من تمنح الدفء والحنان لمن هم حولها .. وفيما عدا ذلك فهي مجرد أنثى من الناحية الجسدية لا المعنوية

Anonymous said...

جميلة يا إيمان قووووي

أحبك في الله


هبه