Thursday, December 10, 2009

اجترار اللحظات


نعم يثيرني! بل لطالما أذهلني تلك الموهبة الخارقة التي هي آية للخالق في كونه.. هو يستمتع بطعامه تماماً ويخزنه ليستعيده وقت الحاجة إليه حيث بيئته من القسوة بمكان أنه يحتاج أن يتحمل تقلبات بيئته وظروف معيشته
.
هكذا شرحت لي أمي يوماً أنه
"يجتر"
كم أدهشني وقع تلك الكمة على مسامعي
بل وهي منذ ذاك الوقت تخصه وحده
لا نطلقها على أحد سواه
كما لو أنها خصصت له وحسب
ذاك الجمل
.
وتمري أيامي وهو وحده يجتر
حتى اكتشفت أن الإنسان ايضاً عليه أن يجتر
لكنه
.
اجترار اللحظات
أن يستمتع بكل لحظة جميلة تمر به بكل خلية من خلاياه
بكل جارحة له
يتشربها جيداً ويٌخضغ كل حواسه لها
يمتصها بمسام عقله وقلبه ووجدانه ويعمق وجودها بداخله
يصيح ويضحك ويشرق وجهه بها
لا يتركها تتسلل من بين يديه بسهولة
وتمر في غفلة من الزمن
لا يجعل لها حظاً ضيقا من ذاكرته
حتى لا تنطوي سريعا في بئر الذكريات
.
اجترار اللحظات
أن تجتر لحظات السعادة لتعيننا على لحظات الضيق وغربة النفس
عندما تجثم الأحمال على الروح والفكر ولا تجد لها متنفسا
عندما يصيبنا سهم أحزان وفقد
فنتذكر لحظة من سعادة ونشوة سرت في الأوصال
لحظة فرح تشرق في الذاكرة كالضحى
.
اجترار اللحظات
أن تجتر لحظات الإيمان لتخرجنا من الخواء والبعد
عندما يشدنا الطين إلى الأرض
تكبلنا الأهواء والشهوات والإدبار
فنتذكر لحظة تحررت فيها النفس وارتقت حتى بلغت السموات
لحظة ملأت القلب بنور الإله
قبسات رحمة ولمحات إيمان
عندها تلاشت الحياة وانطلقت الروح تلامس أبواب الجنان
.

اجترار اللحظات
أن نجتر لحظات الانتصار
لحظات النجاح والبريق
عندما يواجهنا على الدرب اخفاقات
وتبدو الآمال هزيلة عجاف
والأحلام تخبو امام الصعاب
فتنتذكر كيف كان يوماً طعم الأمنيات
كيف ارتشفنا لذة الانتصار
كيف كانت النفس تبرق من عذوبة النجاح
.
اجترار اللحظات
أن نجتر لحظات الأمان عندنا تعصف بنا الظنون والشاردات
عندما تصيب العقل حالة من الشلل المؤقت
ويصيب جدار الروح تصدعات
فنتذكر ضمة صدر حنون تزيل عنا كل عبء الأيام
نظرة حانية وكتف أرحنا عليه كل ما علق بنا
وعندئذ يغلفنا شعاع من أمان
.
اجترار اللحظات
أن نجتر لحظات الرضا واليقين
حتى إذا ما أصاب النفس شائبة سخط
وكادت أن تسقط في بئر الأوهام والظنون
وعلا صوت العقل على مجريات القدر
تذكرنا كيف تمضي تقديرات الاحوال
كيف تقضي يد الإله بين مقادير البشر
كيف يجهل العقل مسببات الخير
ومكنونات الخطر
.
هي كذلك وستظل
حياتنا مفعمة بكل أنواع اللحظات
تنتظرنا لنحياها
أن نعيشها بكل خلية فينا
نشبعها كل قطرة دم تجري في العروق
نجعلها تغزو دهاليز العقل
وتلمس شغاف هذا القلب
حتى إذا ما خبى شعاع نور بداخل الروح
تذكرنا هذه اللحظات
واقتبسنا منها ما يعيننا على تحمل
صحراء أيامنا

***
life is not measured by the breaths we take, but the moments that take our breath away

6 comments:

Heba said...

yea, these are the memory we nourish on

Unknown said...

تسلم ايدك يا أستاذة
جايالى فى وقتها أوى على فكرة
ربنا يرزقك كل الخير

مـحـمـد مـفـيـد said...

:)
بصراحه التعليق يفقدها رونقها ووقعها عليا

عصفور طل من الشباك said...

الفكرة حلوة أوي يا إيمان

حتى لو اجتريت مشاعر الخيبة أو الفشل شيء مفيد لتشعري بمعنى النجاح وليس لتكتئبي

أسعدك الله

شيرين said...

انا فعلا اجتر كل لحظة حلوه مرت بي واكاد اتوحد فيها كي لا انساها واشعر انني من شدة تمسك بلحظاتي الجميله انها قد تعود لي حقا في يوم ما
مدونه جميله

كريم عبد المجيد said...

كلمات جميلة كالعادة تبعث في النفس الأمل ,
بارك الله فيكي